الخميس، 21 أكتوبر 2010

مع رحاب عمر

بسم الله الرحمن الرحيم :-

الكثير منا عندما يسمع جملة تنمية بشرية يقول: هل أنت تؤمن بهذه الخرافات؟....... فأنا عن نفسي لا أؤمن بها!!
فكيف للإنسان أن يحكم على شيء قبل أن يتعمق في جوانبه أو عالأقل يكون لديه المعرفة الكافية و الخلفية المناسبة للحكم عليه ؟
وهل لنا أن نأخذ قرار بشأن شخص أو علم أو شيء دون أن نقوم بالتعرف عليه؟
بالتأكيد في كل الحالات سيكون الحكم خاطئ وربما ظالم، فلما لا أعطي نفسي الفرصه كمخلوق له عقل لامحدود القدرات والإبداعات ( أن أعلم شيئ عن كل شيئ ) وأن أكون مرن في تقبل وتعلم كل ماهو جديد؟ وفي الحقيقه أن التنميه البشريه ليست جديده وإنما علمنا بها وإدراكنا لها هو الذي تأخر الكثير والكثير وذلك لأننا وجهنا كل إهتماماتنا في الحياه إلى تعلم اللغات والكمبيوتر وعلوم التكنولوجيا الحديثه وذلك حتى نكون مثقفين ومقبولين إجتماعياً، ولا أستطيع القول بأن اهتمامنا بتلك العلوم ليس بالشيئ المفيد لنا، على العكس تماماً ولكن إذا نظر كلٌ منا بحق إلى ذاته وسأل نفسه ماذا أعلم عن نفسي؟ هل انا متصالح ومتجاوب معها أم مختلفين تماما؟، هل أنا راضٍ عن نفسي ومتقبلها بصدر رحب وشاكر نعمة الله عليّ وحافظاً لها.. أم كارهها وبيني وبينها مشاحنات مستمره؟ هل أعرف نقاط ضعفي ونقاط قوتي؟ هل أعلم معجزة الله التي وضعها في الإنسان وكرمه على سائر المخلوقات؟ وبعد معرفتي بنفسي جيداً هل أجيد التعامل معها أم لا؟ وهل أجيد التعامل مع الناس بالشكل الذي يجعل علاقتي بهم يغمرها التواد والتراحم والاحترام؟ أم دائماً أكتشف أن لدي قصور في الإتصال بمن هم حولي ؟ هل أتعامل مع الأمور ببساطه أم أعقد كل ماهو صغير وأتهاون بكل ماهو كبير؟ بعد معرفتي بالنقاط السابقه هل أعبد الله حق عبادته بذهنٍ صافٍ خالٍ من الإحباط والمشاكل وبعيداً عن كل مايلهي عن عبادته بالشكل المطلوب؟
وهنا جاء دور التنمية البشرية في تغيير هذه المفاهيم التي تدور في أذهان الكثير منا وتعميق المفاهيم الأخرى الصحيحه.
وأرى أن التنمية البشرية ليست مجال أو موضوع معين إنما هي أعم وأشمل من ذلك بكثير،... فهي في نظري أصل التعامل مع الوجود وأساس العلاقات البشرية وهي أسلوب فعال يتطرق إلى كل مجالات الحياه وجوانبها ، وهي التي تقوّم نظرة الإنسان للأمور بشكل موضوعي بعيداً عن السطحية وبالتالي تجعله يترفع عن التفاهات والصغائر ويُحَجِم كل أمر من أمور الحياه بحجمه المناسب بعيداً عن المغالاه والمبالغه في تقدير هذه الأمور، ...... وفي نظري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من علمنا التنمية البشرية وهو أول من دعا لها، فقد علمنا كيف يكون كل إنسان في هذه الحياه مسئول عن رعيته ومسئول عن أفكاره ونتائج أفعاله وتصرفاته، ولديه مهمة معينة في الحياه ورساله يجب أن يؤديها على أتم وأكمل وجه إخلاصاً لله تعالى، وعلمنا الرضا بالقضاء والقدر خيره وشره والتعامل مع الحياه بمرونه تامه وعدم اليأس من رحمة الله...(( فإن طرقت باباً ووجدته مغلقاً فلا تترد في طرق الباب الذي بجانبه فإنما أغلق الله تعالى الأول لحكمةٍ ما وهي إهدائك للذي أوسع منه)) (ومامنعك إلاّ ليعطيك)..
فالتنمية البشرية تسعى لإرتقاء الإنسان إلى أعلى المراكز الدينية والدنيوية ولكن بشكل مختلف عما هو معتاد عليه، أي بإستخدام طاقة الإنسان الداخليه وقدراته واعتماده على كافة إمكانياته للوصول لأهدافه بشكل يليق بآدميته وتكريم الله له بالعقل عن سائر المخلوقات ..
والجدير بالذكر أن معظم البشر يملكون قدرات متشابهه وإمكانيات متقاربه لكن الفرق يكمن في إستغلال كلٍ منا لقدراته وطاقاته وإستخدامها طبقاً لظروف حياته ونظرته وإدراكه للأمور..
فمن يدرك الأمور بشكل إيجابي مستخدماً ثقته بنفسه كمخلوق مُكرم على سائر المخلوقات وأن الدنيا ومافيها مسخر لخدمته فإنه سيستخدم قدراته وطاقاته الداخليه لإثبات وجوده كبشر له الحق في عيش الحياه بشيء من السعاده والنجاح وتخطي أكبر قدر من الصعاب والعقبات..
أما من تكون نظرته للحياه بشكل سلبي فاقداً تقديره لذاته وثقته بنفسه فإن الدنيا ستتغلب عليه وتأخد منه كل ماهو جميل وتعطيه كل ماهو سيء بحسب إدراكه للأمور وهنا فإن هذا الإنسان يستغل قدر ضئيل من طاقاته اللامحدوده التي وضعها الله بداخله، ويخرج من الدنيا كما جاء إليها..
وهنا يكون الفرق بين النموذجين واضح..
فقرر أي شخص تود أن تكون..... من اعتمد على إعجاز الله فيه لتحقيق أمانيه ، أم من ترك الدنيا تحركه كما ترغب وتتحكم به دون حول منه ولا قوه؟؟؟؟
لا تضيع حياتك هباءً.... فالعمر دقائق معدوده ومن حقك أن تعيشها وتستمع بكل ثانيه فيها بما يرضي الله تعالى ويحقق لك السعاده، فلا تستهون بقدراتك وأبدأ في التخطيط لحياتك بالشكل الذي يخاطب عقلك ويحقق الغرض الذي خُلِقت من أجله..
وكما أشرت سابقاً أننا نهتم بكل جوانب الحياه من علوم وتكنولوجيا لكننا أهملنا أساس هذه الحياه وهي أنفسنا التي سنحاسب عليها أمام الله -سبحانه وتعالى- وعلى تقصيرنا في حقها... فنحن نعد خليفة الله تعالى في أرضه فكيف لنا أن نتحمل هذه المسؤليه التي كلفنا الله بها ونحن في الحقيقه لا نستطيع تحمل مسئولية أنفسنا وحياتنا والتحكم بمشاعرنا والسيطره على تصرفاتنا بالشكل اللائق الذي يؤهلنا لفهم أنفسنا جيداً وفهم من نتعامل معهم بحيث تكون ثمرة هذا التعامل هي الراحه النفسيه والذهنيه التي تجعلنا نقوم بوظائفنا في هذه الحياه على الوجه الأكمل ومن ثم نفتخر به أمام الله تعالى ونقول: "ها نحن البشر عند حسن ظنك أدينا مهمتنا وقمنا بعبادتك بشكل صحيح وبعمارة أرضك خير عماره وتحملنا تلك المسئوليه التي خلقتنا لمن أجلها"..
وفي الحقيقه أننا لا نستطيع قول ذلك بصدق إلاّ عند دراسة أنفسنا دراسه جيده تمكننا من معرفة قدراتنا بالتحديد وإمكانياتنا الامحدوده التي لانعلم عنها الكثير، وكذلك تقييم نقاط قوتنا لتنميتها وثقلها بالإبداع والإبتكار... ونقاط ضعفنا لمواجهتها بصدق والتغلب عليها حتى لاتعيق أهدافنا وأحلامنا....
والتنميه البشريه كأسلوب حياه متكامل تمكننا من فهم النقاط السابقه والسيطره على كل مايدور برأسنا من أفكار وعواطف ومشاعر غضب أو خوف أو ألم أو أي مشاعر سلبيه قد تدمر حياتنا، وكذلك تمكننا من التحكم في سلوكياتنا وتصرفاتنا التي قد تصدر عنا عند التعرض لموقف مفاجيء أو موقف غير مأخوذ في الحسبان..
كذلك من أدوار التنميه البشريه مساعدتنا على استعادة الثقه بالنفس والتصرف في المواقف بالشكل اللائق بقدراتنا دون الندم عليها بعد انتهاء الموقف، كذلك تعمق نظرتنا للحياه بشكل إيجابي وسليم مما يقلل من أوقات اليأس والكآبه والضعف والخوف من الحياه والمجهول.. ويزيد من أوقات الراحه والإنجاز والقوه في تحديد مصيرنا والسير على الطريق الصحيح للوصول لرغباتنا في هذه الحياه..
فتعمق أكثر في مجال التنميه البشريه وأعطي نفسك الفرصه في تطبيق ما تتعلمه منها قبل أن تهاجمها وترفضها وتعتقد أنها مجرد خرافات ابتدعها أناس مصيرهم الحتمي هو الجنون...
ولا تنسى أنني أشرت أن رائد التنميه البشريه هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي علمنا الكثير ومن أهم ماعلمنا هو أن كل انسان مسئول عن عقله وعن أفعاله وعن أخطائه وانجازاته... ولايحق له أن يعلق إخفاقه في أي من الأمور على غيره من الناس والظروف... فالله تعالى جعل لكل انسان عقل خاص به داخل رأسه حتى يكون مسؤل مسئوليه تامه عما يدور به من أفكار ورغبات وأحلام....
كن أقوى من الحياه ولاتجعلها أكبر همومك وساعد نفسك على تخطي أزماتك بمنتهى الشجاعه وإجعل من فشلك نقطه لبداية نجاحك..فالإنتصارات الوحيده التي تدوم هي انتصاراتنا على أنفسنا فكن دائماً واثق في أن الله تعالى سيعينك على الحياه وتفاءل بكل ماهو آتٍ....
فالمتفائل "إنسان يرى ضوءً ليس موجود".............والمتشائم "انسان أحمق يرى ضوءً ولايصدقه"
فأيهم ترغب في أن تكون؟؟؟؟؟


رحــاب عمــر
مدربة تنمية بشرية

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية